سُمي البحر الميت بهذا الاسم لعدم وجود أشكال حياتية فيه بسبب ارتفاع نسبة ملوحته التي تزيد عن 30%، وهي عشرة أضعاف تركيز الملوحة في البحار والمحيطات. لكن مجموعة من البكتيريا المحبة للملح تستوطن مياه البحر الميت وتتكاثر فيها، وذلك من خلال قدرتها الخارقة على تحمل هذا الضغط الأسموزي الهائل التي تشكله مياهه المالحة.
وتشتهر بكتيريا “هالوبكتيريوم هالوبيوم” (Halobacterium halobium) بأنها من أوائل البكتيريا المعزولة من البحر الميت، وحديثاً تم تعديل اسمها إلى “هالوبكتيريوم ساليناروم” (Halobacterium salinarum).
البكتيريا المحبة للملح
هي مجموعة من الكائنات الحية الدقيقة التي تنمو وتزدهر في بيئات ذات نسب تركيز مرتفعة من الأملاح التي تشمل ملح كلوريد الصوديوم، وكلوريد المغنيسيوم، وكلوريد الكالسيوم، وكلوريد البوتاسيوم، وبروميد المغنيسيوم، وغيرها.
وتشمل تلك البيئات مناطق متعددة منها بحيرة الملح الكبرى بولاية يوتا في الولايات المتحدة، والبحر الميت في فلسطين والأردن، وبحيرة أنتاركتيكا العميقة. ومؤخراً تم ربط اللون الزهري المميز لبحيرة في أستراليا بوجود بكتيريا محبة للملح.
كيف تحيا في وسط شديد الملوحة؟
من الآليات التي تتبعها محبات الملوحة لمقاومة نسب التركيز المرتفعة من الأملاح؛ بناء جزيئات صغيرة تُعرف بالمواد التوافقية التي يقوم مبدأ عملها على إحداث توازن بين الضغط الأسموزي الداخلي والخارجي، وهي الطريقة الأكثر شيوعاً.
وهناك طريقة أخرى أقل شيوعاً تتم عبر التحكم في مستويات البوتاسيوم (K+) عبر ضخ كميات كبيرة من أيونات البوتاسيوم في السيتوبلازم.
البكتيريا المحبة للملوحة على موائد البشر
تلعب البكتيريا المحبة للملوحة دوراً أساسياً في تخمير بعض الأطعمة التي تضاف إليها كميات كبيرة من الملح. وتشتهر دول أقصى الشرق بهذا النوع من الأطعمة، كصلصة السمك التايلندية، والمأكولات البحرية المخمرة في كوريا، وبعض الأكلات اليابانية المخمرة المصنوعة من السمك، وصلصة الصويا الإندونيسية، وكذلك المخللات.
وبالإضافة إلى منتجات التخمير، تم استخدام البكتيريا المحبة للملوحة لإنتاج مكملات غذائية، مثل السلاسل الطويلة من الأحماض الدهنية غير المشبعة والضرورية لتغذية الإنسان، وقد أضيفت تقليدياً إلى الغذاء في شكل زيت السمك.
تطبيقات صناعية
تنتج محبات الملوحة بعض البوليمرات الحيوية مثل المؤثرات السطحية القادرة على تقليل التوتر السطحي في السوائل، وبالتالي زيادة حركة الهيدروكربونات الكارهة للماء، وقد تم استخدامها في المعالجة البيولوجية للتربة والماء الملوثين بالنفط.
وتنتج محبات الملوحة عدداً من الإنزيمات المستقرة بما فيها العديد من إنزيمات التحلل القادرة على العمل تحت تركيزات عالية من الملح التي تؤدي عادة إلى ترسيب أو تشويه معظم البروتينات، وهذا يعني أن هذه الإنزيمات مستقرة وتعمل في ظروف قاسية، مما يؤهلها للاستخدام في العديد من الصناعات مثل تلوين الطعام وإنتاج الغليسيرين.
التطبيقات البيئية للبكتيريا المحبة للملوحة
1- التحليل البيولوجي للزيوت الثقيلة: تم عزل سلالة “TM-1” من البكتيريا المحبة للملوحة من خزان حقل “شينغلي” للنفط في شرق الصين. تلك السلالة من بكتيريا موجبة الغرام، كروية الشكل، غير متحركة، وقادرة على العيش في درجات حرارة تصل إلى 58، ونسب تركيز ملحي تصل إلى 18% من ملح كلوريد الصوديوم، وقد تبين أنها كانت قادرة على تحليل الزيوت الخام، أي أنها يمكن أن تستخدم في التخلص من بقع الزيت الناتجة عن التسرب من ناقلات النفط.
2- إزالة الألوان من أصباغ الآزو: من بين 27 سلالة من البكتيريا المحبة للملوحة المعزولة من النفايات السائلة للصناعات النسيجية، أظهرت ثلاث سلالات تنتمي إلى جنس “هالومانوس” قدرة واضحة على إزالة اللون من أصباغ الآزو المستخدمة على نطاق واسع.
3- المعالجة الحيوية للمخلفات: يمكن أن تستخدم هذه البكتيريا في المعالجة الحيوية للمخلفات نتيجة امتلاكها عدداً من المزايا مقارنة باستخدام الطرق التقليدية للمعالجة، منها قدرتها على العمل في أوساط ذات تركيز ملحي عالٍ، وإمكانية تحمّل المعادن الثقيلة، وكذلك قدرتها على تحطيم مجموعة واسعة من المركبات العضوية.